الحوافز في عالم الموظف : هي مؤثرات إيجابية لتعود على الموظف في سلوكه الوظيفي فحسب ؛ بل إنها تعود على المنشأة التي ينتمي إليها من جوانب متعددة سواء كانت في مجال الإنجاز ، أو في مجال الإبداع من وجوه متنوعة ، مما يحقق بذلك إنتاجية مضاعفة ، ترفع من رصيد إنجازات المنشأة بين المنشآت الأخرى .
وتتنوع الحوافز إلى أنواع كثيرة ؛ وفي مقدمتها الإسراع في تعديل السلم الوظيفي – أسوة بتعديل سلم القضاء – ومن الحوافز المهمة أيضًا :
>· الوظيفية: كالترقيات وتولي المواقع الإشرافية والقيادة والإدارية .
>· المادية : كالمكافآت والعلاوات الاستثنائية ، والبدلات وغيرها ) .
>· المعنوية : كالمشاركة في اتخاذ القرارات ، وخطابات الشكر ، ومنح الدروع والأوسمة ، والتميز في تقارير الأداء ، والتكريم العلني بتقديره في لوحات الشرف والمحافل وأمام الجماهير وغيرها .
>· التدريبية : كالترشيح للدورات التدريبية ، وورش العمل المختلفة الداخلية والخارجية ، وإتاحة فرص إكمال الدراسة الجامعية والعليا ، وغيرها.
ولعل من الحوافز المهمة التي يغفل عنها كثير من القياديين ؛ وجود الشخصية الإدارية الناجحة ، المتصفة بالخبرات مع حسن التعامل ، والبشاشة ، والصدق والدفء ، والاتزان ، والقدرة على التفاوض والإقناع ، ولأهمية هذه الشخصية فإنها مغفلة ؛ بل قد لا يحسبها الكثير على أنها من الحوافز ، وهي ذات مفعول قوي ودور فعال في تكوين فريق العمل الواحد ، وجعل الموظفين يقومون بأعمال كثيرة وقد تكون شاقة أحيانًا ، لكن دون ملل ، أو إرهاق ، أو تذمر .
وهذه الشخصية لا تغيب عن المسؤولين في القطاع الخاص ، ولكنها تغيب كثيرا عن القيادات الإدارية في المنشأة الحكومية ، فنجد بعض المدراء يركز على جوانب تكون مما يشكل ضغطا نفسيًا ، أو بدنيًا على الموظف ، دون مراعاة للفوارق بين الموظفين أو حالاتهم النفسية والأسرية ، والمالية ، والبيئية ، والمناخية ، وضغوط الحياة المختلفة ؛بينما يمثل المسؤول ذو الشخصية الجذابة ، ركيزة أساسية في حياة الموظف ، ويعيش معه لحظة بلحظة ، ويحرص على التواصل مع الموظفين أفرادًا ومجموعات داخل بيئة العمل وخارجها ، مما ينعكس إيجابًا على المستوى العام للأداء ويساهم في استقامة الموظف وعدم انحرافه وسقوطه في سراديب ودهاليز الفساد بمختلف أشكاله .
وفي أحيان أخرى نجد من يخفق في التعامل مع موظفيه مما يشكل عقبة ، بوأدِ بيئة العمل ، فيضطر إلى مسائل العقاب المختلفة ؛ دون تفريق بين الموظف المتميز المجد، والمقصر المتهاون .
وهذا التقصير هو أول دافع للموظف إلى الرضوخ للمغريات التي تجعله يقع لقمة سائغة في براثن الفساد ؛ مما يجعله يقوم بكل صنوف الفساد ؛ ليس قناعة بها ، ولكن للانتقام فقط ؛ فتتلوث بيئة العمل وتنقلب إلى ثارات وصراعات، ومع ذلك يلتمس الموظف لنفسه العذر عند السير في هذا الاتجاه المخالف للسلوك السوي الذي يجب أن يكون عليه .
إن من أهم أهداف ومهمات الإداري الناجح تحفيز الموظفين في إدارته وتقديرهم والاعتراف بإنجازاتهم والعمل على مكافأتهم عليها ، ولا يعني تكليف الموظف بالعمل خارج وقت الدوام الرسمي ، أو انتدابه من الحوافز ؛ إذ أنه يقوم بعمل مقابل هذا ، مع أن الحوافز المعنوية والوظيفية لها أثر بالغ ومردود كبير على الموظف ، وفي حالاتٍ تكون فيها تلك الحوافز أهم وأبلغ عند الموظف من الحوافز المالية .
والحوافز لها مردود جيد على المنشأة كذلك ، ومن ذلك رفع الروح المعنوية بين الموظفين والقضاء على الحزازيات ، والتجمعات التعصبية ، والمنافسات غير الشريفة ، كما أنها تزيد من الإنتاجية ، والدقة في الأداء ، وعدم تسرب الموظفين ، والتجديد والتطوير والابتكار في أساليب العمل ، على أن تكون تلك الحوافز لمن يستحقها ، وفق معايير وضوابط معلنة ومعينة ، لتكون قوية ودافعة للجميع للتنافس عليها .
وليس عيبًا أن نستفيد من تجارب الآخرين ، كأن تستفيد الجهات الحكومية من غير الحكومية ، والحكومية من الحكومية ، والداخلية من الخارجية ، ونحو ذلك .
وإن كنا نعي وندرك ذلك ، فإنني أسأل كل مسؤول في موقع المسؤولية : أين أنت من الحوافز للموظف ؟؟؟
ولماذا لا يرى الموظف إلا أنظمة ولوائح ، وتعاميم وقرارات تأديبية كل يوم وظيفي ؟
لماذا لا يرى الموظف أنظمة ولوائح وتعاميم وقرارات في إدارته تحتوي على الحوافز ، لتزرع لديه الثقة وتعيد إليه حيويته وتتفجر طاقاته الكامنة ، لتنهض الإدارة والمنشأة من هذا السبات العميق وتلك الإخفاقات المتتالية ؟ .
وعندما يتحقق ذلك ؛ في القطاع العام – الحكومي – نكون قد قطعنا شوطًا مهمًا في تحقيق وتفعيل الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد ، التي هي ظاهرة عالمية نتنة ؛ تُقض مضجع المسؤولين وأصحاب القرار عالميًا ؛ المنتشر في كل مكان ، خاصة عندما يجد البيئة الموبوءة والبؤرة الحاضنة له فإنه ينتشر ويلوث المجتمع المحيط به، والفساد مهما اختلفت صوره وصفات مرتكبيه ؛ إلاَّ أن هدفه يظل واحداً ، وهو القضاء على الإصلاح والأمن والاستقرار ، وكل مقومات الحياة .
والحراك في هذا الجانب يكون موازيًا للحراك التشخيصي والتشريعي والتنظيمي الذي تتمخض عنه المؤتمرات والندوات المحلية والدولية بهذا الشأن ؛ لترويضها والاستفادة منها واقعًا ملموسًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق