في معظم أنحاء العالم يتميز أي اقتصادي مرموق إما بالأبحاث التي أجراها أو بالمناصب المهمة التي تبوأها في المنظمات الدولية والشركات الكبرى. الأبحاث والمناصب هي ما تعطيه الخبرة من خلال الاطلاع على حالات اقتصادية مختلفة ودراستها وتطبيق النظريات عليها للخروج بنتائج وأفكار جديدة. مجرد دراسته الأكاديمية لعلم الاقتصاد من أي جامعة كانت لا تميزه عن غيره من الاقتصاديين لأن الدراسة في النهاية هي لنفس النظريات. في الدراسات العليا يبدأ التمييز من خلال الأبحاث اذا استمر ولم يتوقف بعد نيل الشهادة.
هناك ندرة في الاقتصاديين المرموقين في العالم العربي تكاد تقترب من العدم. حتى من تميز من الاقتصاديين العرب تجده ما زال في المنظمات الدولية أو في شركات أجنبية. لا نجد في منطقتنا اعتمادا كبيرا على الاقتصاديين في وضع السياسات والخطط لسببين. أولا لأننا لا نعطي أهمية لدور الاقتصادي وثانيا لأنه لا يوجد لدينا الوسائل المطلوبة لصنع اقتصاديين مهمين ولا أقصد هنا التعليم الجامعي بل مراكز الأبحاث والدراسات والأدوات اللازمة لذلك.
الفكرة لدى الغالبية لدينا أن الاقتصادي درس في الخارج وحصل على الدكتوراة وعاد ليصبح مدرسا في الجامعة واذا بادر أكثر من ذلك فهو يكتب مقالات يعبر فيها عن رأيه. مع كل الاحترام والتقدير لمن يقومون بذلك إلا أن دورهم في الاقتصاد هو دور هامشي لا يقدم أو يؤخر كثيرا.
تنبع قيمة الاقتصادي الذي يلعب دورا في التغيير من قدرته على فهم الأبعاد الاجتماعية والسلوكية والمالية والكثير غيرها. وليتمكن من فهم ذلك يتوجب عليه أن يكون قد قرأ في شتى المجالات وراقب تطبيق نظريات مختلفة على أرض الواقع وحلل واستنتج وخرج باراء مختلفة أخضعها للفحص والتدقيق مرة بعد مرة. في مرات كثيرة يخرج الاقتصادي من خلال ذلك العمل بأفكار جديدة يعرضها في أبحاثه أو يتقدم بها إلى الجوائز المعروفة كي تنشر على مستوى أوسع وأيضا كي تتعرض للنقد والنقاش من قبل اقتصاديين اخرين.
من الأخطاء الأخرى الشائعة لدينا أننا نطلق وصف اقتصادي على أي شخص تقريبا في مجال الأعمال سواء كان رجل أعمال أو مصرفي ومؤخرا أي رائد أعمال. حتى من يطلق عليهم وصف “كاتب اقتصادي” فإن عدد محدود منهم من يكتب فعلا في الأمور الاقتصادية.
في الوقت الحالي وفي ظل ما نطمح إليه في العالم العربي من تقدم ونمو مستقبلي فإننا مازلنا متأخرين في إيجاد عدد كاف من الاقتصاديين أصحاب الخبرة الذين يجب أن يساهموا في وضع الخطط المستقبلية. عدم وجودهم حاليا يدفع بمن يحتاج للاقتصاديين للاستعانة بالخبرات الاقتصادية الخارجية التي وإن كانت على مستوى متقدم إلا أنها ينقصها الفهم التطبيقي للجزء الاجتماعي والسلوكي في منطقتنا وهذا كما قلنا يأتي من خلال الأبحاث المعمقة وليس فقط من خلال القراءة أو الحصول على شهادة معينة. وأجد العذر لمن يستعين بالخبرات الأجنبية في هذا المجال لعدم توفر الخبرات في منطقتنا للأسباب التي تقدم ذكرها.
في رأيي أن من أهم الاستثمارات التي ما زلنا مقصرين فيها هي صنع جيل من الاقتصاديين الأكفاء الذين ستكون الحاجة لأدمغتهم ماسة جدا في المستقبل. يمكننا الاستعانة بالخبرات الأجنبية لتغطية أي نقص موجود حاليا، لكننا يجب أن نعتمد على أنفسنا مستقبلا في بناء سياساتنا الاقتصادية لأن الاقتصاد ليس مجرد أرقام ونظريات. الحكومات عليها أن تنشيء مراكز الأبحاث وتوفر أدواتها لكن المبادرة الأهم هي ممن يدرسون الاقتصاد عبر السير الى النهاية والعمل بجد بالطريقة الصحيحة في أماكن مختلفة من العالم وعدم الاكتفاء بلقب الدكتور وكتابة المقالات.
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
الخميس، 29 سبتمبر 2016
هل نحن نعترف بعلم الاقتصاد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق